اعلان مدني السياسي …حجر في بركة راكدة

في البدء نتقدم بالتحية للجان المقاومة في مدينة ود مدني التي بدأت في التحرك من خانة الاحتجاج والمطالب إلى خانة الفعل السياسي الجاد بجهدٍ يشكرون عليه لكن يجب رفده بالكثير من الرأي والرأي الاخر لعله يفضي إلى تحول ديمقراطي إذا صدق العزم وتضافرت الجهود .
تنبع أهمية هذا الإعلان من انه من أوائل المسودات التي طرحتها لجان المقاومة وانه جاء كمسودة مطروحة للنقاش مع قواعد هذه اللجان في مدينتها ولكل السودانيين والسودانيات الأمر الذي يشكل قطيعة مع العرف السوداني في خلق مواثيق ووثائق وأوراق فوقية لذلك يجب أن تتشجع لجان المقاومة السودانية في كل المدن لكتابة وجهات نظرها لتعبر عن انسان منطقتها الجغرافية .
لقد جاء الإعلان المقترح معبراً عن روح ثورة ديسمبر في تأكيده على نظام مدني ديمقراطي ليبرالي سياسياً ( وإن لم يذكر ذلك صراحة ً ) ، ضرورة بناء جيش موحد وإبعاد الجيش عن حقلي السياسة والاقتصاد وتأكيده على ضرورة استعادة السيادة الوطنية ، إلا أن الإعلان يطرح نوعين من الملاحظات من وجهة نظرنا المستندة على أسس الديمقراطية والحريات ، تنقسم هذه الملاحظات الى ملاحظات حول الاليات وملاحظات حول المصطلحات .
ملاحظات حول المصطلحات :
احتوى الإعلان بصورة عامة علي اصطلاحات مشحونة ايدلوجياً في العرف الماركسي قلل الإقبال نحوه وحوله من وظيفته الادائية الي حالة في السوشيال ميديا يتم التفاعل حولها بالعواطف مما أضعف الأثر السياسي له.
مصطلحان اثنان تكررا في مقدمة الإعلان حيث عرف الإعلان الفترة الانتقالية بانها “الفترة التي تلي سقوط النظام الشمولي القائم على تحالف لجنة البشير الأمنية وحلفائها من المليشيات والحركات العسكرية والنُّخب التقليدية والحديثة ” . انتهى الاقتباس ، لقد تكرر مصطلح النخب التقليدية والحديثة بطريقة توحي انه يشمل أغلب الفاعلين السياسيين في السودان ( في جزء من الإعلان تم الإشارة تحديداً الى قوى الحرية والتغيير ) وهو الأمر الذي يصعب بناء الديمقراطية حيث لا ديمقراطية بلا نخب مدنية وديمقراطية ومتوافقة مع بعضها وبدون ذلك يفشل الإنتقال الديمقراطي . ثم أن محاولة إقصاء ” النخب التقليدية والحديثة ” التي يلمح لها الإعلان يتعارض مع هدفه الأول المذكور ” الاتفاق على ركائز وأسس المشروع الوطني التنموي التثويري الجامع ” حيث لا يمكن الإتفاق على مشروع وطني إلا بتوافق يشمل أغلب النخب الحديثة والتقليدية بديهيا ً
المصطلح الثاني الذي تكرر هو مصطلح “القوى الثورية المؤمنة بالتغيير الجذري ” ومن غير الواضح ما الذي يعنيه هذا المصطلح وكيف يمكن قياس الإيمان و الجذرية وتحديد قوى التغيير الجذري بحياد ومهنية وتفرقتها عن قوى التغيير الغير الجذري إذ لم تحدد آلية لذلك
يتبنى الإعلان بالكامل وجهة نظر ما اصطلح على تسميته بالقوى الحديثة في التاريخ السياسي السوداني حيث سعى الى وصف الإدارات الاهلية بانها صنيعة استعمارية ، ووصف النخب السياسية ذات الولاء الطائفي بانها على علاقة ب “الاستعمار الجديد ” الامر الذي يفسر إصرار الإعلان على فترة انتقالية طويلة
أسئلة عن الكيفية :
الإعلان يتبنى نظاماً سياسياً برلمانياً حيث يقوم البرلمان باختيار رئيس الوزراء ، يعد الاصلح مقارنة بالنظام الرئاسي الذي يركز صلاحيات تنفيذية في يد شخص الرئيس ، الامر الذ يجعله غير مناسب لدولة بماض ديكتاتوري طويل كالسودان كما أنه أفضل من النظام شبه الرئاسي الذي يتطلب انسجاماً بين شخصي الرئيس ورئيس الوزراء ويتضعضع النظام في حالة غياب ذلك التوافق .
يقع المقترح المقدم من قبل لجان مقاومة مدني في نفس فخ اعلان الحرية والتغيير فقد دعي الى فترة إنتقالية تبلغ 4 سنوات وبتفويض واسع يشمل إصلاحات متعددة كتحقيق نظام اقتصادي مختلط وزيادة الصرف الحكومي على قطاعات معينة و” معالجة المظالم التاريخية ” وعمل تعديلات عميقة في عدد من القوانين سماها المقترح بالاسم ، في هذه النقطة نرغب في توضيح الاتي :
ان أي سلطة انتقالية بتعريفها by definition هي سلطة مؤقتة وبي mandate ضيق ومحدد كونها سلطة غير منتخبة اما القضايا الكبرى من المذكورة بالإعلان يجب تحقيقها بحكومة منتخبة ومفوضة تفويضاَ واضحاً ، ان إطالة أمد الفترة الانتقالية بلا تفويض انتخابي خطأ كبير جداً لا يجب تكراره . اخذاً في الاعتبار ان الإعلان في حديثه عن اليات اختيار المجالس المحلية ومن ثم البرلمان المسمى بالمجلس التشريعي الانتقالي لم يشر الى عملية انتخابية اقتراعية وانما الى عملية اختيار تشرف عليها لجان المقاومة و ” القوى الثورية الأخرى المؤمنة بالتغيير الجذري ” .
في الجانب الاقتصادي تحدث الإعلان عن رفض ” سياسات البنك الدولي ” والتعامل مع المؤسسات الدولية وفي نفس الوقت أكد على موضوع جدولة الديون واعفائها دون توضيح الالية في ذلك وكيفية المواءمة بين الخيارين الذين يبدوان متناقضين . كما شدد على زيادة الصرف الحكومي والتراجع عن سياسات رفع الدعم (مما يعني إبقاء دعم الاستهلاك ) بلا توضيح الية واضحة لذلك .
ان الجزء الخاص بالاقتصاد في الإعلان يحتاج الى نقاش واسع حول تفاصيله وحول كونه مناسباً لفترة إنتقالية يصعب فيها فرض توجه ايدولوجي معين في الاقتصاد ، دون تفويض انتخابي شعبي واضح
ختاماً ان أي ملاحظات حول شكل الإعلان وتفاصيله لا تنفي أهميته من حيث أنه بدأ نقاشاً حول كيفية حكم السودان ، نقاشاً يجب ان يخوضه السودانيون جميعاً بمختلف اتجاهاتهم للوصول الى الية سلمية لإدارة خلافاتهم وتناقضاتهم تحت ظل الوطن الواحد .
الحزب الليبرالي
٢٨يناير ٢٠٢٢
هذه المقالة كُتبت في التصنيف Bez kategorii. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *