مقال دكتور ابراهيم نجيب رئيس الحزب الليبرالي عن العدالة الانتقالية

العدالة الانتقالية
الحكومة الإنتقالية/العدالة الإنتقالية
فك الارتباط
“إن أكثر الأشياء صعوبة لديمقراطي هو أن يضطر الي شرح أهمية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة لديمقراطي آخر”
ابراهيم النجيب
لكي أبدأ هذا المقال يجب أن أوضح اني لن أخوض كثيرا فى شرح ماهية الحكومة كواحدة من أقدم المؤسسات السياسية ضربا فى التاريخ ولن اشرح اهميتها كواحدة من اساليب أنظمة السلطة ، وبهذا سأكون أخللت بالمقال خللا وظيفيا سأعالجه بقليل تعريف حتى انصرف للقضية الأساسية هنا وهي عنوان المقال ، وذلك تجنبا لمشقة طول المقالة التى دائما ما يشتكيها القراء .
يجب أن التنبه أن هذه المفاهيم السياسية هي (مفاهيم) بمعني اتساعها عن دائرة التعريف اللغوي المجرد إلى معاني وقيم مفهومة بالطبع خلال السياق واللغة ، لكنها غير محدودة بها
تعريف الحكومة : هي مجموعة من الناس يمارسون السلطة على رقعة جغرافية معينة ، ينفذون و/أو يضعون القوانين التى تحكم الحياة العامة وتنظمها ويمارسون السلطة وفق حقوق مختلفة منحت لهم أو حازوها بالقوة
أنواع الحكومات : يمكن للقارئ مراجعة أنواع الحكومات وفق تصنيفات تقسيم مختلفة من كتب السياسة أو من الانترنت ، انا هنا مهتم بتصنيفها وفقا لحالة الحكم وطبيعتة فى بلد ما .
*الحكومات مهما كان نوعها دائما تتكون من أقلية عددية ولايمكن ان يكون كل الشعب يحكم فعليا*
1-الحكومة الديمقراطية : وهي حكومة مستقر لها أمر الحكم بتفويض غالب الشعب تعمل وفقا لنظام حكم معد سلفا وتنفذ سياسات تخصصها لجذب منتخبين جدد لانتخابات قادمة ، وهي أنواع كثيرة أكثرها قبولا هي حكومة الديمقراطية الدستورية التى تقلل ظل السلطة لدي الأفراد وتوسع دائرة انتشار السلطة إلى أكبر قاعدة ممكنة مع أقل سلطة للفرد الواحد
2-الحكومة الديكتاتورية : وهي حكومة حازت السلطة بالقوة أو منحت سلطة ثم تنكرت لمصدر السلطة وتحكمت بقوة السلطة على مصدر قرار منح السلطات ونفذت سياسات لاتخص سوي الأقلية التى بالحكم .
3.الحكومة الفنية : حكومة الكفاءات وهي حكومة تتحكم فيها قلة فنية حازت على تقبل فرقاء سياسيين للإدارة السياسية لحين الفراغ من تشكيل نظام سياسي جديد او الاتفاق على القديم بين الفرقاء ، و يمتلك السلطة فيها فعليا الفرقاء السياسيين لكن يترك أمر التنفيذ لفنيون متخصصون
*فى كل الأنواع الثلاثة سابقا هناك نمط حكم سائد تختلف تفاصيله لكنه يتفق على محتوي معين ، وهو النمط إلا فى الحالة الرابعة بمعناها الحديث*
4-الحكومة الانتقالية (حكومة الصباح_ترجمة حرفية)
Provisional government , morning government , transitional government
هي حكومة توافق جزئي أو كامل بين مكونات سياسية لبلد ما أو دائرة اختصاص سلطوي تعمل بين نظامين سياسيين بدون تحديد توجه سياسي معين ، لتمنع الفراغ الدستوري والترتيب لنظام سياسي جديد ، وهي عادة حكومة معينة بواسطة أقلية ، تتكون فى حالة انشاء دولة جديدة أو انقلاب سياسي أو الإطاحة بنظام سياسي .
تتكون هذه الحكومة بمبادئ *العدالة الانتقالية* وحتي لا يختلط على أحد لاحقا سوف اشرح هنا :
الحكومة الانتقالية تتكون بواسطة الثوار أو الذين يدفعون للتغيير وهم مادفعهم لهذا التغيير سوى الظلم والمظلومية ، ويمتلكون تصورا لهذا الظلم عاينوه وعايشوه قبل أن يدفعوا للثورة ، هذا يعني امتلاكهم تصورا لماهية الظلم ومن هو الظالم وكيفية رد المظالم مع تصورهم للنظام الجديد وبالتالي سوف يعملون على منع الظالم من التواجد بحكوماتهم أو انظمتهم الجديدة ، هذا يعني أن أي تشكيل لحكومة انتقالية هو بالضرورة يحمل بذرة العدالة الانتقالية ومداها للدارس السياسي والناقد الحصيف ، يعرف نطاقها وحيز اشتغالها ومدى شمولها
تتقسم هذه الحكومة الإنتقالية إلى أربعة أنواع حسب تصنيف البروفسيران خوان جوزيه لينز والبروفسور يوسي شاين :
أ. حكومة الوضع الراهن : أو (الحكومة الحالية – الآنية) هي حكومة معينة ومشكلة لكن يحتجز السلطة فيها الرئيس أو الرمز السياسي للنظام البائد ، وهي حكومة انتقالية ترتب لأمر انتقال السلطة وتشكيل وضع سياسي جديد باشراف النظام السابق (ما يسعى له الثوار ف فنزويلا حاليا)
ب. حكومة انتقالية تشاركية : وهي حكومة يشكل نصفها بواسطة النظام والنصف الآخر بواسطة خصمه السياسي وترتيب لأمر إعادة تشكيل السلطة ويتشارك الاثنان سلطاتها (حكومة نيفاشا سابقا)
3. حكومة الثورة الانتقالية : وهي حكومة انتقالية كاملة السلطة لدي الحكام الجدد بدون نظام سياسي مشكل بعد الإطاحة بالنظام القديم (حكومة سوار الدهب)
4. الحكومة الانتقالية الدولية : هي حكومة يمتلك السلطة فيها المجتمع الدولي لكنها يمكن أن تكون تنفيذيا بيد مواطنين محليين (ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي)
تاريخيا تشكل المفهوم بداية فى بريطانيا للتحضير لعودة الحكم الملكي خلال الثورة البريطانية وتشكل الاتحاد الايرلندي الكاثوليكي فى 1642 بعد حرب الأعوام ال11 وهذا تاريخ لايعنينا كثيرا ، تلك الحكومة اول حكومة أطلق عليها اسم الحكومة الانتقالية ، بعدها هناك سيل من تاريخ الحكومات الانتقالية لم ينتهي الي لحظتنا هذه باختلاف الأنماط وطرائق دراستها كان هناك مبدأين اساسين داخل كل حكومة انتقالية شكلا حجز زاويتها ومبرر وجودها الأساسي وهما :
1-الترتيب لنظام سياسي جديد واختيار حكومة جديدة وفقا لما اتفق عليه الذين بيدهم القرار (الشعب فى حالة السودان)
2-منع الفراغ الدستوري بسبب غياب الحكومة كآلية السلطة الأكثر كفاءة فى الاجتماع الحديث
*لا أظن اني بحاجة لشرح أن هذين المبدأين يسهل ربطهما بضرورة الحكومة الانتقالية ، ويصعب تطويل امدها وفقا لهما ، ذلك لأن :
الفراغ الدستوري يؤدي إلى الفوضي وغياب الصلاحية القضائية للدولة يوزعها فى حدود الأفراد ما يجعل شلل الدولة أمر حتمي ويفضي الي أنظمة حكم الغوغاء (غياب كامل للقانون ، قانون الغاب والقوي يأكل الضعيف) فوق توقف الحياة العامة تماما بدون الدولة مما يجعلها عرضة للتدخل الخارجي و مطمع للإرتزاق من ظل الدولة (حركات عسكرية ودينية ونهب مسلح وترويع وغني بالسرقات) فبقاء حكومة لسد هذا الفراغ ضروري وحيوي جدا ، و لصعوبة اختيارها بآليات الديمقراطية البطيئة نسبيا فإنها تعين على بقاء الترتيب والصلاحية القضائية للدولة لحين اختيار حكومة جديدة بالطريقة الجديدة مهما كانت
الثاني وهو الترتيب لأمر الدولة الجديدة ، وهو شئ سهل فكل ما على الحكومة الانتقالية ترتيبة هو ترتيب آلية انتقال سلطات متفق عليها (الديمقراطية فى حالتنا السودانية) ووضع قانون يحكم اول إنتخابات، لتتكون حكومة منتخبة تسهم فى وضع الدستور الدائم والقوانين المنظمة للحياة العامة ودواوين الحكومة (هل لاحظ أحد أن كل هذه الأشياء يمكن عملها بواسطة حكومة منتخبة)
إذا ؛ ماهو سر الخلط بين الحكومة الانتقالية والعدالة الانتقالية ؟ وماهي العدالة الانتقالية ؟
العدالة الانتقالية : هي مجموعة إجراءات وتدابير قضائية وغير قضائية تهدف إلى معالجة ورثة الأنظمة السياسية من تعديات الدولة على الحقوق والكرامة ، وتشمل لجان المصالحة وجبر الضرر ، الملاحقات القضائية ، لجان الحقيقة وتثبت الحقوق .
هل العدالة الانتقالية أيضا انتقالية كالحكومة : الإجابة لا ، العدالة الانتقالية سميت كذلك لسببين هما
1.ارتباط عملها بلجان عدالة وتدابير قضائية غير عادية فى الحياة العامة ، تهدف إلى تغطية مظلومية طويلة الأمد فى زمن قليل
2. يحدد لها سقف زمني غير مربوط بالحكومة ومن يكون بالسلطة التنفيذية ، بمعني انفصال هيئتها العملية واستقلالها عن الظل السياسي للدولة
مثال لذلك (هيئة الحقيقة الكرامة التونسية) وهي لجنة العدالة الانتقالية بعد الثورة التونسية 2011 ولاتزال تعمل برغم تبادل الحكومات تعمل وفقا للمادة 149 من الدستور التونسي
تهدف العدالة الاجتماعية إلى إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة الجديدة وإعادة الثقة لها كواحدة من مؤسسات الدولة حتى لاتكون هناك جفوة وفجوة بين الدولة كنظام ومواطنيها كمحترمين للنظام ويدينون له .
(بمعني أن يحترم انسان فى دارفور جيش السودان مجددا يجب أن يجير ضرره ويعترف جيشه بخطاة فى القصف للقري والفرقان ويعتذر عن جريمتة ويحاسب المسئول المباشر فى ذلك ويعترف بالضحايا ويسجل اسمهم للذاكرة، ثم يعاد ذلك الإنسان لمكان سكنه الذي هجره وتقام له معينات حياة جديدة يثبت خلالها الجيش جديته فى التحول الحديث ويمارس ادواره باحترافية ويصدق دون أضرار آخر بذلك المواطن)
ماهي ضرورة العدالة الاجتماعية وهل يمكن تجاوزها فقط بإنشاء نظام جديد يحترم الإنسان ويوقره ويبره ؟ ونسيان الماضي كما فى (عفا الله عما سلف 1985) ؟
أن ارتباط الإنسان بالنظام السلطوي هو ارتباط متكامل ، أن أى محاولة لغض النظر عن العدالة الانتقالية هي محاولة سوف تنوء بفشل تقاعس الإنسان عن واجبه للدولة واخيرا تقاعس الدولة عنه لعدم مساعدته لها مع بقاء صورة الدولة كقاتل وسارق وغير موثوق بها يستحيل أن تقوم بعملها بصورة متكاملة حتى لو رغبت ، ومع بقاء الضرر وعدم جبره تتكون بذرة فناء النظام الجديد بواسطة معارضيه الجدد الذين لايرون فيه الديمقراطية كما يرون ظلمهم الكائن قبل سنين ولايرون فيه عدالة والذي يقوم بدور الشرطي هو نفس الشرطي الذي يضربهم بالنيران أو يحمي من يضرب (قوات الاحتياطي المركزي دارفور 2004_2012 نموذجا)
الثقة بين مؤسسة الدولة ومواطنيها هي شئ ضروري لبقاء الأولى وحيوي لتطويرها، وهذه الثقة لا تتأتي بدون اعتراف بالحقوق ، وارجاعها لمالكيها ، وقد كان إن سكت سكان السودان على الانقلاب على ثورتهم التى لم يمضي منها سوي أربعة أعوام بانقلاب البشير فى 1989 ، ذلك لانعدام الثقة ، وكون الدولة – فى نظرهم – مجرد تركيب فوقى لا يستفيدون منه شيئا ولايرجع لهم حقوقا سلبها نميري ثم تركوها السياسيون الجدد فى النظام الجديد .
:: رسالة لتاخذها للمنزل : العدالة الانتقالية ليست مربوطة بامد الحكومة الانتقالية ، لكن العدالة الانتقالية من يشكل المفهوم الأول في من يكون جزء من الحكومة الانتقالية ::
بعد أن عرفنا ضرورة العدالة الاجتماعية وماهيتها والحكومة الانتقالية وطبيعتها يجب أن نضع في الإعتبار :
أن طول أمد الحكومة الانتقالية هو ترتيب لإضعاف خصوم سياسيين وتقوية آخرين من أجل الفوز بانتخابات أو ترتيب الوضع الجديد حسب ما يريد المتحكم فى الأمور، وفي هذا إخلال بمفهوم العدالة الانتقالية نفسها .
مطاردة جيوب الدولة العميقة هو عملية مستمرة ، وليست شأن أعوام ويجب أن ترسخ الدولة الجديدة فى كل حين أهمية الدولة القائمة على مواطنيها من أجل مواطنيها ، لا ايدلوجيات ولا نسب رفيع يحوز فيها الاهتمام ، فقط العمل للمواطن وسوف يحرسها الأخير وقت ما وجد فيها مصالحة واحترامه الذي يجب أن يقدم لأقصي حد(مهمة أقصي حد هذه وهي نقطة إبداع السياسي الذكي)
منع حدوث الانقلاب على الثورة هو عملية يحرسها الناس ، لكنهم قد يتخلون عن هذا الدور إذا لم تقدم الدولة ما يشفع لثقتها ، عملا فى العدالة الانتقالية. . وتتقدم الشعب حكومة تحكم بأمره تؤسس لهذه الحداثة بأساليب علمية لا سياسية قديمة
أن أساس الحكم والدولة هو القاعدة ، استعمالي الكثيف لكلمة الحكومة يعني الحكومة المركزية في الخرطوم وحكومات الولايات والمحليات ، أن حكم الشعب لنفسه فى أقل درجة واوسعها انتشارا (الحكومات المحلية) هو حق لا يجب أن يسلب تحت شرعية الثورة أو غيرها ، لأنه حتى الشرعية الثورية قد تكون مدمرة على الأساس القاعدي ، (مثلا قد تهمل نقطة لدعمهما للنظام القديم أو كون رموز النظام بنحدرون منها مما يعرضها لظلم جديد قد يحتاج عدالة انتقالية اخرى فى زمن قادم) .. ولذلك منعا لحكم الغوغاء يجب أن يتم مراجعة الحكم القاعدي والمحلي بسرعة وتسليمه لأهله فى اقرب فرصة (شهور ربما)
مساء 3 فبراير 2019
هذه المقالة كُتبت في التصنيف مقالات فكرية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *